أداة لتسوية الحسابات.. عادة "الدية" تعيد النساء إلى خانة السلعة
أداة لتسوية الحسابات.. عادة "الدية" تعيد النساء إلى خانة السلعة
كشفت شهادات نساء في مناطق مختلفة من إيران، عن استمرار تقليد "الدية" أو "الفصلية"، الذي يُجبر الفتيات على الزواج من عائلات الضحايا في نزاعات القتل، بوصفهن أداة لتسوية الحسابات.
وتروي فوزية. م، البالغة من العمر 60 عاماً، قصتها قائلة: "بعد اتهام أخي بجريمة قتل، تم تزويج أختي لابن الضحية، لكنها أنهت حياتها بعد شهر واحد، عندها، كنت الضحية التالية وأنا في الحادية عشرة من عمري، لم أدرك وقتها أنني سأعيش 50 سنة من الألم"، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الخميس.
وأكد باحثون أن هذا التقليد يعكس جذوراً تاريخية للهيمنة الذكورية، حيث يُقدَّم جسد المرأة كتعويض عن جريمة ارتكبها رجل، بينما يُتخذ القرار من قبل "كبار القوم"، رجال القبيلة أو العائلة، دون أي اعتبار لرأي الفتاة أو مصلحتها.
ويُظهر هذا السلوك أن مصدر المشكلة وصاحب القرار والمستفيد النهائي جميعهم رجال، في حين تتحول المرأة إلى مجرد أداة لتثبيت مصالحهم.
خلفية تاريخية للذكورية
أوضح مؤرخون أن ممارسات تبجيل الذكور تعود إلى عصور قديمة، حين كانت بعض الشعوب تُقيم طقوساً لعبادة الرموز الذكورية.
ومنذ ذلك الحين، ترسخ الاعتقاد بتفوّق الرجل على المرأة، ما أتاح للرجال التعامل مع النساء كسلع يمكن التبادل بها في النزاعات القبلية، هذه الخلفية الفكرية أسست لتقاليد لا تزال قائمة حتى اليوم، حيث يُنظر إلى المرأة باعتبارها وسيلة لحماية الرجال من السجن أو القتل.
وقالت الباحثة في التقاليد القديمة مريم مرادي (اسم مستعار): "تبادل النساء كان وسيلة لإنهاء النزاعات منذ القدم، لكنه يبقى أكثر العادات عداءً للنساء. للأسف لا يزال هذا التقليد يُمارس حتى اليوم تحت غطاء العادات الموروثة".
وأشارت إلى أن حملات التوعية بحقوق النساء أسهمت في كشف مخاطر هذه الممارسة، لكنها لم تنجح بعد في القضاء عليها، بسبب تغلغل المعتقدات الذكورية في المجتمعات الريفية والقبلية.
تسجيل العادة كتراث
كشفت تقارير أن بعض المحافظات الإيرانية مثل فارس وخوزستان ولرستان سعت في السنوات الأخيرة إلى تسجيل "الدية" ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي.
وأكد قضاة وشخصيات نافذة أنها تمثل "طقساً للتسوية" و"رمزاً للعدالة التصالحية"، غير أن خبراء القانون بيّنوا أن هذا الطرح يتعارض مع مفهوم العدالة التصالحية التي تقوم على الطوعية، بينما تُجبر الفتاة في هذا التقليد على قبول مصيرها دون أي خيار.
وحذرت ناشطات حقوقيات من خطورة تسجيل "الدية" كتراث رسمي، معتبرات أن منحها هوية ثقافية قد يحولها إلى ممارسة مقننة، ويؤدي إلى تكريس استعباد النساء باسم العادات.
وقالت الناشطة بروين. س: "الخطر الأكبر أن تتحول هذه الممارسة من قرار قبلي إلى ممارسة قانونية، فتتحول الفتيات إلى ضحايا لعبودية مقنّعة".
معركة بين الماضي والوعي
أطلقت نساء في مدينة شوش حملات احتجاجية تحت وسم "لن أكون ديّة، ولن أكون فصلية"، ما ساهم في وقف تسجيل العادة مؤقتاً. لكن نشطاء يخشون عودتها إلى النقاش الرسمي خلال السنوات المقبلة.
وتُبرز هذه المواجهة معركة بين تيارات تحاول تبرير العادات الذكورية كجزء من "الهوية الثقافية"، وبين أصوات نسائية تطالب باحترام حقوق الإنسان وإنهاء الممارسات التي تحوّل المرأة إلى سلعة.











